بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمينأسعدكما الله عن الحب نتحدثأم عبد الرحمن محمد يوسفأيها الأزواج، الحياة الزوجية ليست حلبة صراع بين الأزواج، من يفوز ومن يخسر؟! ولكن الزواج ميدان للبناء، ومشاعر الأزواج مشاعر بناء، ولذلك سُمي الزواج في الإسلام "بناء"، فيه يدخل الإنسان في بناء نفسه وبناء أسرته؛ ولذلك تجد أبعد الناس عن الأمراض النفسية والعصبية هم أهل الاستقامة من المتزوجين، وأقرب الناس إلى الأمراض النفسية والاضطرابات هم أهل الانحراف والفساد.إن الحب بين الأزواج ود وصفاء إخلاص ونقاء، رسالة وميثاق، الحب هو سر الحياة الزوجية وأريجها، فبالحب تصفو النفوس فتصفو الحياة، وبالحب يذوب جليد الجفاء ويسهل على صاحبه العفو عن الأخطاء ... ويوم يجف بحر الحب تنكسر السفينة وتشل حركتها فيكون البغض والمشاحنة والمشكلات.
فالحب باختصار ميل شريك الحياة إلى شريكته، وميل شريكة الحياة إلى شريكها، وعندما يشعر أحد الزوجين أن الآخر يميل إليه؛ فإنه يسمع منه الرسائل التالية: (أنت مهم بالنسبة لي فأعتني بك وأحميك، أنا مهتم بما تواجه في الحياة، وسأكون رهن إشارتك عندما تحتاج إليَّ، وهناك مكونات أساسية لأية علاقة مبهجة ورائعة، وهي الحب والحنان، الذي يرمز إلى الأمان والحماية والراحة والاستحسان) [مستفاد من: بالمعروف ... حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا، ص(48)].
الحب مودةقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] إن هذه الآية تبعث برسالة لكل قلبين جمع الله بينهما بالزواج، أن المودة في علاقتكما أقوى من الحب الفطري بينكما، وأن الرحمة هي التي تضفي على حياتكما السرور والسعادة.
(والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة.
ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/485)].
فتوادا أيها الزوجين يرحمكما الله واسكبا عطر الرحمة بينكما يملأ عبقه الحياة، فتهب رياح الحب قوية دائمة تذهب بالمشكلات والخلافات.
الحب مشاعر:يدخل الأزواج إلى عالم الحياة الزوجية وكل منهم محمل بكثير من المشاعر التي تنادي بها فطرته وطبيعته، إنها مشاعر أودعها الله في الحياة الزوجية؛ ولذا فهي غاية غالية يرومها الأزواج، وحينما تلبى يغمر الحب كل الأزواج، ونذكر منها:
الحب سكن:الشعور بالسكن حاجة نفسية لدى كل زوج وكل زوجة، شعور يكسب كليهما شعورًا بالأنس والراحة، وينشر السعادة والفرح في البيت السعيد، وفي التقاء الزوجين يجدان مشاعر السكن والاطمئنان؛ لذلك نجد التعبير القرآني استخدم: ﭽﮐﭼ، ولم يقل (نساء) في الآية، أي لا يتحقق السكن إلا من علاقة زواج، لا يتحقق إلا إذا تحولت المرأة إلى زوجة، فإذا لم تكن زوجته؛ فإنه من المستحيل أن تصبح سكنًا حقيقيًّا له.
ولذلك كانت العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة هي الزواج، ولا ينعم الرجل والمرأة بمشاعر السكن إلا في ظلال رباط الزواج المقدس.
الحب اعتراف:أريد أن أسألك سؤالًا أخي الزوج؟ متى كانت آخر مرت اعترفت فيها بحبك لزوجتك؟ ومتى كانت آخر مرة اعترفتي فيها بحبك لزوجك أمام الأقارب؟ لقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي أحب الناس إليك؟ فقال اسم امرأة، قال: (عائشة)، قيل له: من الرجال؟ قال: (أبوها) [متفق عليه]، أرأيت كيف يبوح النبي صلى الله عليه وسلم بحبه لزوجته ورفيقة دربه أمنا عائشة رضي الله عنهما؟
وانظر أخي الحبيب وانظر إلى روعة المحبة من عائشة لرسول الله، فقد سُئِلت: (حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبكت وقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: (يا عائشة، ذريني أتعبد لربي)، قالت: قلتُ: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي ...) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (68)].
أريأيتم كيف تبوح عائشة رضي الله عنها بمشاعر الحب لرسول الله؟ فما أحوجنا إلى ذلك البوح العفيف، فقد يحمل كل من الزوجين مشاعر الحب للطرف الآخر لكنه لا يصرح ولا يبوح فلا يصل أثرها ولا يشعر الآخر بحرارتها.
فأتقنا أيها الأزواج فن الاعتراف بالحب والتصريح به حتى تشعر الزوجة أنها مليكة قلب زوجها ويشعر الزوج بمكانته لدى ملكته.
فهم يورث الحب:لقد أخبرنا القرآن أن الرجل يختلف عن الأنثى؛ فقال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، وكذلك أمر الحب والحاجة العاطفية فإنها تختلف عند الرجل والمرأة، فالرجل له حاجات بإشباعها ينمو الحب، وكذلك المرأة، فكان على كل شريك حياة أن يعلم حاجات شريك حياته حتى يشبعه عاطفيًا.
فالرجل يحتاج (إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، والحب الذي يعبِّر عن تقدير جهوده وما يقدمه، بينما تحتاج المرأة إلى الحب الذي يحمل معه رعايتها وأنه يستمع إليها، وأن مشاعرها تُفهم وتُقدر وتُحترم) [التفاهم في الحياة الزوجية، د.مأمون مبيض، ص(21)].
فاعلم أيها الزوج أن المشاعر هي أهم شيء بالنسبة للمراة، وكونك تستيطع إدخالها في مشاعر إيجابية يعني أنك تستطيع أن تتفهم سيكولوجيتها وتتعامل معها، والمصدر الأول لأمان المرأة هو حب الرجل الحقيقي، فإذا شعرت بحب زوجها اطمأنت.
أما الرجل فهو مختلف عن المرأة في هذه النقطة، فلا يعنيه بصورة كبيرة أمر التعبير عن المشاعر بقدر ما تعنيه الأفعال، فالحب لدى الرجال أفعال، ومن ثم فقد لا يهتم بالتعبير عن مشاعره تجاه زوجته، ظنًا منه أن ذلك لن يسبب مشكلة لها، وقد تكون هي في لهفة لسماع كلمة حب من شفتيه.
إن المرأة تكون في قمة عطائها وتكون معنوياتها في ارتفاع حينما تشعر أنها محبوبة، (أما حين تشعر أنها غير محبوبة، أو بأنها غير ذات أهمية، وأنها وحيدة؛ فإن كل تلك العوامل سموم، تحطم روح الأنثى في قلبها، ولذلك فإن من جوانب السرور التي يستلطفها النساء معرفة مكانتها عند الأزواج، والتعبير عن مشاعرهم تجاههن، وإلحاحهن في طلب ذلك، والتأكيد عليه والشوق إلى سماعه مرارًا وتكرارًا دون ملل) [حتى يبقى الحب، د.محمد محمد بدري، ص(248)].
فكلمات الحب التي تهديها لزوجتك فتلامس قلبها، تشعرها بالاطمئنان والاستقرار، وتدفعها لبذل المزيد من أجلك ومن أجل استقرار عش الزوجية، فلا تحرمها من كلمات حبك المخلصة، التي تنم عن إعجابك بها والرضا في العيش بجوارها.
فيمكن أن تذكر لزوجتك أنك معجب بابتسامتها، أو طريقة تعاملها، وتُسمِعها مثلًا: (أن أسعد إنسان لأنني معكِ)، (أنتِ أجمل زوجة في الدنيا)...إلخ.
فالمرأة أيها الزوج الفاضل تحتاج منك إقرارًا بأنها (أهم امرأة بالنسبة لك، أنها أول أولوياتك، أنك فخور بها، أنك لا تستطيع أن تتحمل فراقها، أنه لا يوجد امرأة في العالم مثلها، وأنك تحبها ولابد أن تخبرها بذلك دائمًا) [كيف تكسب محبوبتك، د.صلاح صالح الراشد، ص(43)].
وأما بالنسبة إلى الرجل؛ فالحب عنده له شكل مختلف، هو يحتاج إلى الحب وإلى المشاعر ولكن بطريقة مختلفة عن المرأة، فالرجل أهم ما يحتاجه هو الشعور بأن زوجته تقبله كما هو، وأنها لا تحاول تغييره، كما يحتاج إلى الحب الذي تعبر فيه المرأة عن تقديرها لجهوده وما يبذله من أجلها.
وهناك الكثير من العبارات التي تعبر عن قبول الزوجة لزوجها كما هو، منها أن تقول له: (أنا سعيدة جدًّا بأنك هكذا، لا أريدك أن تتغير)، (أحبك كما أنت).. إلخ.
وهذا يستلزم بلاشك ألا تنتقده زوجته دائمًا، ولا تفتش عن أخطائه باستمرار وترصدها له وتعيره بها، ولا تبحث عن نقاط ضعفه.
وحين يشعر الرجل أن مقبول لدى زوجته؛ فيسير عليه أن يمنحها ما تحبه من حسن الإنصات لها، والاجتهاد من أجل إرضائها، والاهتمام بمشاعرها ورغباتها.
الحياة الزوجية بحر انطلقت من على شاطئه سفينة الزوجين تمخر عبابه قاصدة ميناء الحياة الطيبة السعيدة، فما أحوج الزوجين إلى رياح محملة بالحب تهُبُّ على السفينة فتدفعها قدمًا نحو الميناء، إن سفينتنا الزوجية بحاجة ماسة إلى حب حقيقي يملأ أرجاءها ويؤمن وصولها بسلام، لذا كان هذا الفصل عن الحب، فعن الحب نتحدث.